هل نحن مشغولون جدًا عن الاستمتاع بالحياة؟


هذه المقالة مترجمة من تدوينة بعنوان Are we too busy to enjoy life? من مدونة Ness Labs للكاتبة Anne-Laure Le Cunff


لبعض الناس الانشغال طوال الوقت ليس خيارًا، فمثلا الطالب الذي يعمل بدوام جزئي ليدفع رسوم دراسته، والوالدين الذين يعملون في وظيفتين وبالكاد يستطيعون العيش، فليس كل الأشخاص لديهم الترف لإدارة أوقاتهم بالشكل الذي يحبون. لكن هناك الكثير ممن لديهم المرونة، وفي نفس الوقت يركضون من مهمة لأخرى بدون أن يتوقفوا ويسألوا أنفسهم: هل أنا مستمتع بأي من هذا؟ أو هل هذه المهام تجعلني في الواقع مشغولا عن الاستمتاع بالحياة؟

تظهر الأبحاث أن البشر يميلون لأن يعملوا أي شيء ليبقوا مشغولين، حتى ولو كان هذا النشاط بدون معنى لهم. يصف الدكتور بيرني براون من جامعة هيوستن “جنون الانشغال” هذا بأنه استراتيجية تخدير نستخدمها لنتفادى مواجهة حقيقة حياتنا.

نحن مرعوبون من الفراغ لأن التوقف يعني أن علينا التفكر في ما نريد من هذه الحياة ونقارنه بما لدينا الآن. في بعض الأحيان نشعر بأن الهوة بينهما واسعة جدا ونفضل الركض على عجلة الهامستر.

الانشغال هو وسيلة دفاع، نستخدمها لنتفادى وجودنا. المسؤوليات ومواعيد التسليم، والقوائم الطويلة من المهام وغيرها تنهك حواسنا وتجعلنا نعتقد بأننا نتحرك في الاتجاه الصحيح أو على الأقل نتحرك في اتجاه ما. هذه المهام التي تشغلنا بلانهاية وبلاتفكير غالبا ستتركنا في ركود. من منا ينظر بفخر في قائمة مهامه اليومية ويقول “يا الله، لقد أنجزت الكثير من المهام هذا العام”؟

بدلا من قياس التقدم بكمية العمل الذي ننجزه، يجب أن ننظر إلى جودة هذا العمل. ليس فقط جودة المخرجات كما تقيسها بعض المقاييس، بل بجودة تأثيرها علينا عقليا وجسديا. هنا أسئلة منطقية يمكن أن تسألها عندما يكون العمل يشكل جزءًا كبيرا من حياتنا مثل: “هل أشعرني هذا العمل بتحفيز فكري؟، هل تعلمت منه شيئا جديدا؟، هل ساعدني على تنمية حب الاستطلاع؟، هل أعطاني الفرصة للتعرف على أناس مثيرين للاهتمام؟” 

يقول هرقليطس “لايمكن أن تنزل في نفس النهر مرتين أبدا، لأن الماء مستمر في الجريان”. الوقت كذلك كالنهر، إذا كنت مشغولا عن الاستمتاع بالحياة – مشغولًا عن قضاء وقت مع العائلة والأصدقاء، مشغولًا عن تعلم الرسم أو العزف على القيتار، مشغولًا عن الخروج في رحلة برية، مشغولًا عن أن تطبخ شيئا لذيذا لنفسك – فإن هذه اللحظات ستمضي ولن يمكنك استرجاعها.

ربما تعتقد أن الوقت قد فات، وهذا غير صحيح. مثل كل الناس، تمر بي تجارب قلق من الوقت – الشعور المتكرر بأن الوقت قد تأخر على البدء بإنجاز جديد – ولكن الواقع يقول بأن أمامك غالبًا العديد من السنوات لتعيشها. أن تُعَرِّف لنفسك ماذا يعني “وقت قضي بفعالية” وأن تصنع مساحة لمثل هذه اللحظات هو من أعظم الهبات التي يمكن أن تعطيها لنفسك المستقبلية.

في المرة القادمة التي تفكر فيها في تعلم شيء جديد، أو عندما يسألك صديق ان كنت ترغب في عمل شيء معا أو الحديث، ويكون جوابك “أنا مشغول جدًا”، خذ بضع دقائق وفكر ان كنت فعلا مشغولا جدا، وان كان الأمر كذلك فعلا، هل هذا الانشغال أثمن فعلًا لك على المدى الطويل من تعلم شيء جديد أو قضاء وقت مع صديق.

ربما تكون مشغولًا مؤقتًا بمشروع يستهلك كل وقتك وهذا لا بأس به. مثل هذه المشاريع التي تشعر نحوها بشغف كبير تنميك، ولكن ان كان الجواب “أنا مشغول جدًا” يتكرر كثيرا، فربما عليك أن تتأكد من كونك فعلا شغوف بالمشروع طوال هذا الوقت.

مرة أخرى، ان كان الأمر كذلك فأنت محظوظ، المشكلة أننا لا نأخذ الوقت لنفكر في البديل، وهو أننا نخدر عقولنا بالعمل. أن تكون مشغولًا بعمل مثير أمر جيد. لكن السيئ أن تكون مشغولًا جدا عن الاستمتاع بالحياة، وقضاء وقت مع من تحب، واستكشاف قدراتك. ان كنت تنتمي لمن لديه القدرة والخيار، فحاول أن تستفيد بأكبر قدر من وضعك الجيد.