نصائح أستاذ التسويق

من الكتب القيمة والجديرة بالقراءة كتاب The Four لمؤلفه Scott Galloway، حيث عرض في ثنايا فصول كتابه هذا نماذج الأعمال التي ارتكزت عليها الشركات التقنية الأربع الكبرى في زماننا هذا؛ وهي: (فيسبوك، وقوقل، وأمازون، وأبل)، وحلل هذه النماذج وكشف عن مدى تأثيرها في عالمنا المعاصر بشيء من التفصيل والإطناب.

أكثر ما شدني ولفت انتباهي في هذا الكتاب هو الفصل ما قبل الأخير منه، حيث قدم المؤلف من خلاله مجموعة من النصائح الثمينة، خاصًا بها الفرد العادي حول العالم، والذي يخوض سباقاً وظيفياً مختلفاً، وينبغي له أن يشارك في سباق التطور الحاصل في العالم، وأن يتفاعل مع التوجهات الحديثة التي طالت كل الأصعدة، ومست كل جوانب الحياة بفضل التقنيات الحديثة التي قدمتها هذه الشركات إلى العالم.

لماذا يجب أن تستمع لهذه التوجيهات؟

ينفر البعض من سماع النصائح خاصة تلك التي تأتي مُغلفة بغطاء التنظير، ويغلب عليها الجانب الأكاديمي والحديث المثالي، ولكني شخصياً استمتعت بقراءة هذه النصائح؛ لأن قائلها خبيرٌ ومجرب، ويمتاز بالصراحة في الرأي، والواقعية في الطرح، وهو يضع نصب عينه الإنسان العادي المتوسط، ولا يهتم كثيراً بالنماذج الاستثنائية التي تخرج عن المألوف (الناجحة جداً أو الفاشلة).

هذه النصائح تأتيك من Scott Galloway، أو كما يلقب نفسه على تويتر بـ (البروفيسور سكوت) الذي بدأ حياته المهنية بالعمل لمدة سنتين في مورجان ستانلي، لكنه لم يجد ضالته في بيئة الاستثمار البنكي أو حتى العمل في الشركات الكبرى، فتحول إلى ريادة الأعمال بعد أن أنهى الماجستير في إدارة الأعمال.

 كانت شركة Prophet أولى محطاته في عالم ريادة الأعمال، إذ تقدم هذه الشركة استشارات إستراتيجية  للعلامات التجارية، ووصل عدد موظفيها إلى 400 موظف يقدمون خدماتهم إلى العلامات التجارية الموجهة إلى الأفراد المستهلكين ، بعد ذلك أسس شركة Red Envelop، وهي تعمل في التجزئة، ونجح في طرحها للاكتتاب العام، وأخيراً أسس شركة L2 المتخصصة في تقديم خدمات قياس حضور العلامات التجارية الاستهلاكية على الشبكات الاجتماعية ومحركات البحث والأجهزة المحمولة، بالإضافة إلى أداء المواقع الإلكترونية الخاصة بها، وعملت مع أكبر العلامات التجارية في العالم، مثل: Nike وChanel وغيرها، وانتهى المطاف بهذه الشركة  باستحواذ شركة Gartner عليها في عام ٢٠١٧. 

إلى جانب كل هذه التجارب، كان سكوت عضواً في مجالس إدارة مجموعة مختلفة من الشركات، مثل: نيويورك تايمز، وشركة Gateway لتصنيع الحواسيب التي كانت في يوم من الأيام تبيع ٣ أضعاف ما تبيعه أبل من الحواسيب.

ويعمل سكوت حالياً في جامعة نيويورك، وتحديداً في كلية (ستيرن) للأعمال، حيث يُدّرس التسويق الإلكتروني وإستراتيجيات العلامات التجارية، ويفضّل أن يُشار إليه بلقب (أستاذ التسويق). 

النصائح 

هنا تجد أثمن النصائح التي ذكرها المؤلف وهي تغطي مجمل ما ذكر ماعدا نصيحتين أو ثلاث تجاوزتها لأنها لا تناسب السياق العام لدينا وهذا النص هو مختصر لا يغني عن الاطلاع على أصل النصائح إن أردت الاستزادة، فلربما تكون قرائتها بعد قراءة الكتاب تعطيها قيمة أفضل بحكم السياق.

لايفوتني هنا وقبل أن نبدأ في سرد النصائح أن أشكر الصديق عبدالله بن ناصر الخريف على تحريره لهذا النص الطويل تحريرا مبرحا ليظهر بهذا الشكل فشكرا جزيلا أباسارة.

النجاح في اقتصاد لا يرحم

يقول سكوت: في اقتصاد اليوم يعد النجاح الكبير حليف المتميز فقط، أما المتوسط والجيد، فسيكونان في أسوأ حال! فعلى سبيل المثال: زملائي أساتذة الجامعة المتميزين الذين يدرسون في كلية (ستيرن) للأعمال، أتوقع أن الواحد منهم يجني ما بين المليون والثلاثة ملايين دولار سنوياً، وللتعاقد مع أحدهم لإلقاء كلمة في حفل ما سيدفع له المنظمون قرابة 50 ألف دولار، لكن على الجانب الآخر فإن الأستاذ الجامعي (الجيد) يجني سنوياً ما بين 120 ألفاً إلى 300 ألف دولار فقط، والفرق بين الأستاذ المتميز والجيد برأيي هو ما يقارب 10% فقط! وهذا الفرق الذي يمثله العشرة بالمئة يمكن للأستاذ المتوسط اكتسابه من خلال تركيزه على ثلاثة سلوكيات أساسية وهي:

  1. التميز.
  2. الإصرار.
  3. التواصل العاطفي.

وهي برأيي ثلاث خصال لا تتقادم عبر الزمن، ولا تتغير مهما اختلفت مجالات العمل.

خصال النجاح الشخصية

يتحدث سكوت عن النجاح فيقول: يحالف النجاح عادة الأذكياء والمجتهدين والمحبوبين أكثر من المتقاعسين والكسالى والمكروهين، وهذه قاعدة معروفة في الماضي والمستقبل، وإذا حدث أن شذ عنها بعضهم؛ فهذا أمرٌ لا يُعتد به، فلكل قاعدة شواذ، ولا يعني ذلك أن الذكاء والجدية هما كل ما تحتاج إليه لتحقيق النجاح، فهذا لن يأخذك إلا لتكون ضمن أفضل مليار شخص في هذا العالم!

في فضاء العالم الرقمي هناك خصال وصفات مهمة جداً للنجاح، ستدفعك لتكون متفوقًا على الآخرين، أبرز هذه الخصال هي: (النضوج العاطفي)؛ خاصة  لدى الشباب في العشرينيات من عمرهم، تبرز أهمية هذه الخصلة في بيئة الأعمال حالياً، حيث يصعب أن تجد وظيفة في الشركات الكبرى يرأسك فيها مدير واحد، أو أن الأوصاف الوظيفية محددة جداً، بل ستتطلب منك الوظائف في هذه الأيام أن تعمل تحت إمرة مجموعة من المديرين بشكل أو آخر، وستتغير متطلبات العمل تغيرًا سريعًا ومتكررًا، وهذا التغيير المتسارع في العمل الذي تقوم به، أو البيئة التي تعمل فيها، أو الشخصيات التي تتقاطع معها؛ ستجعلك تخوض تجربة ثرية يتمخض عنها نجاحات في ميادين مختلفة، وأيضًا ستتعرض لانتكاسات وإخفاقات  في مواطن أخرى ،ولكي تستعد لمواجهة مثل هذه التجارب وخوضها تحتاج أن تكون ناضجاً؛ لأن هذا سيزيدك حماسةً، وسينعكس على إدارتك للعمل، كما أن تعاملك مع الآخرين تعاملًا جيدًا سيضمن لك النجاح  في مشروعات مميزة، وستتقابل  مع شخصيات مهمة ومميزة لتتعامل معها، هذا النضوج يعني أن يكون لديك معرفة أفضل بذاتك وهويتك، ومن ثم سينعكس ذلك عليك وعلى شخصيتك، وستكون أكثر اتزانًا أمام أي ضغوط أو مشكلات قد تواجهك أثناء خوضك غمار هذه التجارب، كما أنك ستستفيد منها وستكتسب خبرة منها، وتطبق ما تعلمته  واكتسبته وستتفوق على أقرانك  الذين هم الأقل نضوجاً، وستراهم منهمكين في حل المشكلات التافهة، ومصرين على رهانات فاشلة، أو يتركون حبال عواطفهم  على الغارب تقودهم إلى اتخاذ قرارات غبية دائماً، كما أن هذا النضوج سيضيف إليك تميزاً نوعياً؛ وهو تقبل التوجيهات والأوامر، وإعطاؤها في الوقت نفسه، كما أنه سيجعلك عارفاً بأدوارك في العمل والمجموعات التي تعمل معها. 

من خصال النجاح الأساسية (حب الاستطلاع)، فعالم الأعمال اليوم يمر بمتغيرات كثيرة، وتحولات في القناعات والأساليب، فما كان مناسباً بالأمس قد لا يكون مناسباً اليوم؛ لذلك يجدر بك أن تكون مرنًا هينًا لينًا مستعدًا للتعلم ومواكبة التغير ومعرفة المهارات والتقنيات الجديدة، ومن ثمَّ ستكون متحررًا من الطرائق التقليدية أو المعتادة التي كان يُدار بها العمل عندما انضممت إليه.

وأخيراً: المسؤولية، وهي أن تستشعر أهمية العمل الذي أوكل إليك، والمسؤوليات التي أنيطت بك، وأن تهتم بتفاصيله ودقائقه، وأن تسعى إلى إتقانه وتجويده، وتمتد المسؤولية لتصل إلى كل من يعمل معك كي يقدموا أفضل ما لديهم وكأن هذا العمل لن يتم دون أن تكون فوق رؤوسهم طيلة الوقت! 

احصل على شهادة جامعية

إن كنت تصبو إلى النجاح وتتوق نفسك إليه؛ ينبغي لك أن تدرس في جامعة مرموقة! نعم هناك بعض الناجحين الذين يُشار إليهم بالبنان لم يكملوا دراستهم الجامعية، وحققوا نجاحات مميزة، مثل: بيل جيتس، وستيف جوبز، ومارك زكربرغ، وغيرهم، إلا أنك تختلف عنهم، ولو أمعنت النظر في قصصهم وسيرهم الذاتية لوجدت أن تجربتهم الجامعية كان لها دور كبير في نجاحهم المهني. 

عليك أن تدرس في الجامعة وتتعلم شيئاً جديداً ومفيداً، حتى وإن شعرت أن ما تتعلمه ليس مفيدًا، فلا بأس في ذلك! على الأقل ستتخرج ويكفيك أنك أضفت اسم الجامعة إلى سيرتك الذاتية، وسيفتح لك هذا الاسم عشرات الأبواب حتى يصبح لك اسم وخبرة تغنيك عن اسم الجامعة لاحقاً.

سواء أأعجبك الأمر أم لم يعجبك، فالجامعة والدرجة العلمية هما أهم أدوات الترشيح التي تستخدمها الجهات، والعاملون في الموارد البشرية، وستقع عليها العين في أثناء النظر إلى السيرة الذاتية، ومن دون شك فإن وجود اسم جامعة مرموقة سيزيد من فرصك لنيل الوظيفة المنشودة.

مؤكد أن الدراسة في الجامعات المرموقة مكلفة جداً حتى وإن شملتك الإعانات التي تقدم إلى طلاب الطبقة المتوسطة فلن يكون دخول الجامعة أمرًا سهلاً؛ سيتطلب الأمر منافسة كبيرة مع طلاب آخرين يحظون بتعليم أساسي أفضل، ومدرسين خصوصيين وغيرها، ولكن هناك خدعة أنصح بها وهي: “الانتقال” وذلك بالتسجيل في جامعة عادية، ثم تبذل جهداً للحصول على درجات عالية، ثم حاول الانتقال إلى جامعة أخرى مرموقة في السنة الدراسية الثانية، وعادة فإن إجراءات القبول ستكون أسهل حينئذٍ.

الشهادات المهنية

طبعا الشهادة الجامعية ليست خيارًا متاحًا للجميع، فاذا لم تتح لك فابحث واحصل على شهادات أخرى مثلًا CFA أوCPA وغيرها من الشهادات المهنية التي ستجعلك مختلفًا عن غيرك، وتكون الفارق بينك وبين سبعة مليارات شخص في هذا العالم يعملون بمتوسط دخل لا يزيد على دولار وثلاثين سنتًا للساعة.

الإنجاز عادة

من يحقق الأهداف وينجز في مجال يمكنه الإنجاز والنجاح في مجالات أخرى، الإنجاز عادة يمكن تطويرها وإعادة تطبيقها في مجالات أخرى. لذلك احرص على أن يكون لك سجل من النجاحات خلال دراستك بغض النظر عن نوعها قد تكون في مجالات رياضية أو علمية أو غيرها، لكنها ستثبت أنك منجز.

انتقل إلى مدينة

اعتقدنا لفترة طويلة أن العصر الرقمي سيجلب الوظائف إلى بيوتنا، وسيمكننا من العمل من أي مكان، ولكن الحقيقة أن ما حصل هو العكس، فقد تركزت الثروة والمعلومات والفرص في المدن الكبرى. مثلًا ٨٠٪ من الناتج المحلي للعالم يأتي من المدن، و٧٢٪ من المدن تنمو أسرع من الدول التي تنتمي إليها، وفي كل عام ينتقل المزيد من الناتج المحلي إلى المدن وسيستمر هذا الوضع. 

من السهل توقع مدى نجاح شخص في الماضي أو المستقبل من خلال معرفة مكانه الجغرافي في العشرينيات من عمره، فوجوده في المدن الاقتصادية الكبرى في دولته ثم قارته في هذه المرحلة العمرية ستجعله أقرب للنجاح بكثير ممن لم يفارق قريته.

سوِّق لنفسك وعملك

حسنًا أنت الآن ناضج عاطفيًا، ولديك حب الاستطلاع ومعرفة كل ما هو جديد، وتملك كثيرًا من الإصرار، ولكن كل هذا لا يجعلك فريدًا ولا وحيدًا من نوعك! كيف تميز نفسك أكثر عن غيرك من المنافسين؟ الجواب: هو بأن تسوق لعملك ولنفسك باستمرار.

بدايةً يجب أن تجد وسيلة مناسبة، وفي عالم اليوم هناك كثير من الوسائل (شكرًا للشبكات الاجتماعية) فاختر وسيلة مناسبة لك وللمجال؛ سواء كان تويتر، أم إنستقرام، أم يوتيوب، وغيرها من المنصات والشبكات.

هذه الوسيلة ستكون طريقك إلى تعريف الناس من حولك بنفسك وببراعتك وقدرتك على إنجاز الأعمال، لا تقل العمل الجيد يفرض نفسه، فالواقع أن العمل لا يتكلم ويجب أن تتكلم أنت عنه وتربطه بنفسك. يجب أن تفكر دائمًا وتبحث عن طرائق لتصل إلى عشرة أشخاص ثم ألف وعشرة آلاف شخص يتابعونك ويعرفون عملك. لن يكون الطريق سهلًا! فمثلًا: يتابعني الآن قرابة ٥٨٠٠٠ شخص على تويتر وهؤلاء لم يأتوا بغمضة عين، بل تطلب الأمر ٦ سنوات بمعدل ١٥ دقيقة يوميًا من العمل للوصول إلى هذا الرقم من المتابعين.

فاتني القطار

قد تقول لست في العشرينيات من عمري ولم أتخرج في جامعة راقية، فبالتأكيد أن قطار النجاح قد فاتني، ولكني أقول لك: ليس بعد! أنا في الثانية والخمسين من عمري، وأعمل مع فريق يصغرونني في المتوسط بربع قرن، ويزاملني عدد من كبار السن أيضًا في الشركة، وما يجمعنا جميعًا هو أننا نعرف كيف ندير الشباب، ونعرف كيف نخرج من مناطق راحتنا ونتعلم مهارات جديدة من الخدمات التي تقدمها الشركات الأربع: (فيسبوك، وقوقل، وأمازون، وأبل). باختصار: إن كنت في الخمسين من عمرك وتشعر بعجزك عن استخدام الشبكات الاجتماعية فأنت قد استسلمت ورضخت لهذا العجز.

ما عليك أن تفعله الآن هو أن تمارس مهارات اليوم، حمِّل مختلف التطبيقات وجربها، استخدم مختلف الشبكات الاجتماعية، وحاول أن تفهم كيف تعمل، وتعرف إلى أهم خصائصها واستخداماتها في عالم الأعمال. جرب أن تصنع مقطع فيديو أو صفحة ويب، جرب أن تعلن عبر قوقل، كل هذه الخدمات والمهارات هي عالم الأعمال اليوم. 

الأمان المالي

قد لا تنطبق هذه النصائح على سوقنا في السعودية انطباقًا كبيرًا، لكن التغيير قادم، وهناك أنظمة قريبة ستتيح للشركات إعطاء حصص ملكية للموظفين، كما يمكن للموظفين السعوديين العاملين في الشركات العالمية الاستفادة من برامج ESPP.

حاول أن تستثمر في الشركة التي تعمل فيها من خلال حصولك على حصة في الشركة كجزء من دخلك منها، وإن كنت تعتقد أن الشركة لا تستحق الاستثمار فيها، أو أن حصتك لن تنمو في المستقبل فغير وظيفتك، وابحث عن شركة لها قيمة في المستقبل. كذلك احرص على أن تزيد نسبة الملكية إلى دخلك لتصل إلى ١٠٪ و٢٠٪ أو أكثر في الثلاثينيات والأربعينيات من عمرك.

عمومًا أنفق أقل من مدخولك. فأكثر الذين عرفتهم وكانوا سعداء في حياتهم هم من يعيشون تحت مستوى دخلهم؛ لأنهم لا يتعرضون للضغوطات الاقتصادية باستمرار، وأعلم أن كثيرًا من الأسر ذات الدخل المتوسط من الصعب عليها فعل ذلك.

 جمع الرواتب التي تتقاضها من عملك لن يجعل منك ثريًا، لكي تصنع ثروة وتصير ثريًا ينبغي أن يكون لديك أصول تنمو وتزداد. فالراتب يمكن أن يغير نمط حياتك ويرتقي بك، ولكن لن يزيد في ثروتك كثيرًا، والادخار صعب. أقرب مثال: والدي، دخله ٤٥ ألف دولار سنويًا من التقاعد، ولديه مصادر دخل أخرى وهو ثري؛ لأنه لا يصرف إلا ٤٠ ألفًا، في حين لدي كثير من الأصدقاء الذين يتقاضون رواتب بالملايين ولكنهم ليسوا بأثرياء؛ لأنهم ليس لديهم مدخرات أو مصادر دخل أخرى تحميهم وتسندهم في أي لحظة يتوقفون فيها عن العمل.

الناس عمومًا متفائلون، ويعتقدون أن الدخل أو الراتب الذي يتقاضونه في زهوة سنوات عمرهم مستمر ولن يتوقف أو يتغير، في حين الواقع يقول: إن كثيرًا من أصحاب الدخل المرتفع من التنفيذيين والرياضيين والفنانين، وغيرهم يقعون في ضائقة مالية كبرى؛ لأنهم لم يدخروا ولم يمتلكوا أصولًا.

تزوج عدة شركات

من المهم ألا تعلق آمالك على عملك ووظيفتك. فالشركات عادة تدفع ٢٠٪ زيادة لمن كان لديهم خبرة مثل خبرتك من الموظفين في حال كان الموظف آتيًا من خارج الشركة. بالطبع هناك حد لتغيير الوظيفة، فلا تضيع جل وقتك في تحسين سيرتك والتنقل بين الوظائف.

الإستراتيجية التي أنصحك بها هي أن تبحث عن وظيفة في شركة تتعلم منها مهارات جديدة، ويكون فيها قيادات تساعدك، وفي الوقت نفسه تحصل على حصة منها وتدخر جيدًا، واعمل فيها ما بين ٣ إلى ٥ سنوات. لا تضيع وقتك وطاقتك في البحث عن عمل بشكل مستمر إلا إذا ساء الوضع، وتأكدت أن الوضع سيء فعلًا باستشارة مرشدك الشخصي وعند بحثك عن عمل في هذا الوضع أخفِ الأمر وكن دائمًا متقبلًا الحديث عن عمل جديد إن طلب منك.

عندما تصل إلى مرحلة جديدة في حياتك المهنية عليك بالبحث، تواصل مع مديري التوظيف أو شركات التوظيف المتخصصة، واطلب من الآخرين التوصية بك أو تقديمك إلى من يهمك أن تعمل معه.

إذا جاءك عرض من شركة أخرى وأعجبك هذا العرض فاستمر في عملك الحالي، وأخبر شركتك بالعرض وبالمميزات التي ستحصل عليها، فغالبًا هذا سيجعلك محط اهتمام وتقدير أكثر عندهم، والدليل هو السوق. إن أعطوك عرضًا مضادّ فكر فيه وفكر بما هو أفضل لك شخصيًا لثلاث سنوات أو خمس سنوات قادمة. أخيرًا لا تتوقف عن تكرار العملية!

الولاء للأشخاص وليس للشركات

الشركات لا تستحق حبك ولا ولاءك؛ لأنها باختصار لا يمكن أن ترد عليك بالمثل. اجعل علاقتك وتواصلك بالأشخاص، وسيبادلونك الولاء. القادة العظام يعرفون جيدًا أنهم جيدون بفضل من يعمل معهم، وعندما تكون على علاقة جيدة بقادتك سيفعلون كل ما بوسعهم لكي تكون سعيدًا. إن كان رئيسك لا يقاتل من أجلك فقد يكون رئيسًا سيئًا، أو أنك موظف سيء.

تحكم بحياتك المهنية

يجب أن تتحكم وتكون مسؤولًا عن مسارك وحياتك المهنية، ربما تُنصح بأن “تتبع شغفك”، ومن سينصحك بهذا المسلك سيكون ثريًا على الأرجح.

نصيحتي لك هي ألا تعطِ القياد لعواطفك وشغفك، حدد أولًا المجالات والمهارات التي يمكن أن تبدع فيها، واستعمل مواهبك في تحسين مهاراتك وتطويرها لتصبح خبيرًا ومجودًا في عملك. ليس من الضروري أن تحب هذه المهارات، ولكن يكفيك أن تتدرب على إتقانها وتعلمها، لأنك مع مرور الوقت ومع التدريب المستمر ستعتاد عليها وستصبح مميزًا، وستنال حينها رضا مديريك وسيغدقون عليك المكافآت، وسيزداد دخلك وستحب عملك، ومع الوقت أيضًا سترتقي وظيفيًا، وسيكون بإمكانك اختيار المجالات ذات العلاقة بمهاراتك التي تحب أن تعمل فيها وتجد نفسك فيها سعيدًا وأنت تمارسها. بعد كل هذا إذا لم يعجبك العمل فعليك بوضع برنامج ادخار جيد، ثم افعل ما تراه مناسبًا لك. 

العدالة

عالم الشركات والأعمال ليس للعواطف مكان فيه، فمن خلال عملك ستتعرض لمضايقات كثيرة وظلم؛ لأن هناك بيئات عمل لا تساعد على العمل والإنجاز، وبالطبع هذا كله ليس خطأك أنت.  ستعاني في حياتك المهنية حالات كثيرة من الفشل لأسباب خارجة عن إرادتك؛ لذا ينبغي لك أن تكون على أهبة الاستعداد لتحمل هذا الفشل أو تغيير العمل.

اعلم أنك إذا قررت ترك عملك وقدمت استقالتك أن الناس ستتذكر لحظات استقالتك أكثر من سنوات خدمتك؛ لذلك احرص على الخروج الجيد، واترك أثرًا طيبًا، بغض النظر عما واجهت خلال خدمتك، كن شاكرًا وممتنًا لمن عملت معهم.

أفضل انتقام ممن ظلمك هو أن تعيش بشكل أفضل منهم وألا تفكر فيهم مجددًا. ربما بعد سنوات سيكونون في منصب يساعدونك فيه أو على الأقل لا يكونون عثرة في طريقك. باختصار: من يكثر التشكي فهو فاشل.

هذا لا يعني أن تسكت عن حقك إن أسيء إليك في العمل، سواء أخلاقيًا أم غير ذلك، واحرص على أن تتحدث مع مرشدك الشخصي أو محامٍ ليوجهك وينصحك بما يناسبك، ففي هذه الحالات لا يوجد جواب أو نصيحة تناسب الجميع.

العودة إلى الوسط

الوقت يمضي، بمحطاته الجميلة والقاسية. لذلك عندما تحقق نجاحًا ما توقف عن المخاطرة لفترة من الزمن. كثير من رواد الأعمال يسعون إلى مغامرات جديدة بعد نجاحهم في المغامرة الأولى فيخسرون كثيرًا؛ لأنهم يظنون أن نجاحهم الأول عائد إلى ما يتمتعون به من ذكاء وعبقرية فقط. وأيضًا عندما تفشل فهذا لا يعني نهاية العالم، كل ما عليك هو أن تنهض وتجرب مرة أخرى، فالفشل لا يعني النهاية. 

ابحث عمن يقدر مهارتك

حاول أن تعرف الميزات التي تمتاز بها شركتك، وما مصدر قوتها؟ ثم اعمل على أن تكون مهارتك موجهة نحو هذه المصادر. مثلًا شركات بيع المنتجات المغلفة تركز على إدارة العلامة التجارية تركيزًا كبيرًا فإن كنت تعمل مهندسًا في الشركة، فنادرًا ما ستترقى لتكون تنفيذيًا فيها. وأما إن حرصت على أن تعمل في مجال قوة الشركة؛ فسيتيح لك هذا أن تعمل مع أفضل الناس في الشركة، وفي أصعب المشروعات وأكثرها تحديًا، ومن ثم ستتجه نحوك الأنظار وستحظى برضا إدارة الشركة ومديريها. هذا بالطبع لا يعني أنك لن تنجح بتاتًا إن عملت في قطاع آخر غير القطاع الرئيس.

لكي تعرف ما يهم شركتك ابحث عن السير الذاتية للتنفيذيين فيها، وتعرف إلى مساراتهم المهنية إن كانت خبراتهم في المبيعات مثلًا؛ فهذا يعني أن الشركة تحبذ هذه المهارة على غيرها، هل لديهم خبرات في التشغيل؟ إذًا ربما يكون هذا هو سر نجاح هذه الشركة ومصدر أرباحها.

الوظائف الرهيبة والعائد

إذا كنت ترغب في العمل في وظيفة “رهيبة” فالعائد على عملك سيكون غالبًا نفسيًا، أم العائد المادي فلن يكون بمقدار الجهد المبذول. والمنافسة في الوظائف الجذابة ستكون كبيرة وحتى لو حصلت عليها فسيكون من السهل استبدالك في أي لحظة. 

إن انضمامك إلى شركة كبيرة في قطاع كبير؛ سيعطيك مسارًا مهنيًا آمنًا مع حصولك على حوافز وترقيات مستمرة لن تستطيع الشركات في القطاعات الرهيبة منافستها. هذا الأمان الوظيفي سيكون مهمًا لك عندما يكون لديك أبناء فلا تريد أن تكون في عمر ٤٥ سنة وليس لديك أمان وظيفي.

القوة

من الصفات التي ستجدها في أغلب الرؤساء التنفيذيين هي التزامهم بممارسة التمارين الرياضية. صحتك وقدراتك الجسدية ستعطيك ثقة كبيرة في نفسك، فمثلا: عندما تكون في اجتماع وتشعر بأنك تستطيع لو ساءت الأحوال قتل وأكل الحاضرين (لا تفعل ذلك طبعا) ستكون ثقتك بنفسك عظيمة ومختلفة عن لو كنت ضعيفا سواء هزيلا أو سمينا. القوة هنا تعني القوة الجسدية والعقلية.

هذا لن يتأتى إلا من خلال الالتزام بممارسة التمارين الرياضية هذا الالتزام سيجعلك أقوى في مواجهة الاكتئاب، وسيمكنك من التفكير الجيد، والنوم بعمق. 

بشكل متكرر استعرض هذه القوة والقدرة في مجال عملك، اعمل ٨٠ ساعة في الأسبوع، واجه الضغوطات الكبرى بهدوء أعصاب، ورباطة جأش، واعمل على حل كل المشكلات من دون تردد وببذل أقصى ما عندك من جهد وطاقة. طبعًا عليك فعل هذا الاستعراض على هذا في سنوات مبكرة من حياتك المهنية؛ وإلا فإن هذا سيوقعك فيما لا تحمد عقباه كلما تقدم بك العمر وكبرت بك سنك.

اطلب المساعدة وأعطها

في بداية حياتي المهنية ساعدني أشخاص كثر كانوا في الخمسينيات والستينيات من أعمارهم، ولم يقدموا هذه المساعدة لأنهم كانوا أصدقاء لعائلتي أو لإعجابهم بي، ولكن لأنني طلبتها منهم. كثير من الناجحين لديهم وقت ليتفكروا ويسألوا أنفسهم: ماذا قدموا إلى العالم؟ والجواب غالبًا يتضمن مساعدة الآخرين.

إذا كنت تريد أن تكون ناجحًا؛ فاحرص على طلب المساعدة من الآخرين، وأيضًا عوّد نفسك على تقديم المساعدة إلى من هم أصغر منك. لاحظ أن تقديم المساعدة لمن هم أكبر منك وأميز منك لا يسمى “مساعدة”، بل “تقبيل أيادي”. عادة مساعدتك للآخرين لن تعود عليك بفائدة مباشرة، ومن ستساعدهم لن يساعدوك شخصيًا، ولكن هذه المساعدة ستمنحك شعورًا وإحساسًا جميلين ولن تخذل.

أي حروف الهجاء أنت؟

الشركات والمنظمات عمومًا تمر بدورة حياة تتكون من عدة مراحل، وكل مرحلة تتطلب نوعًا مختلفًا من القيادات فيها، وهي على النحو الآتي: 

  • مرحلة التأسيس: وفيها تحتاج الشركة إلى قيادات تتمتع بروح رواد الأعمال يستطيعون أن يجذبوا المستثمرين وذوي المواهب والخبرات والإمكانات من خلال الحديث عن الشركة قبل تأسيسها ووضعها الحالي، والخطوات التطويرية المستقبلية، ويستطيعون بيع منتجاتها وإن كانت تجريبية وغير واعدة.
  • مرحلة النمو: تحتاج الشركات إلى قيادات تتمتع برؤية وبصيرة ثاقبة، تحلل الواقع، وتستشرف المستقبل، وتبني أسس التطوير من خلال خطوات مدروسة تحسب لكل خطوة حسابها، تستطيع أن تحول زخم النمو وسرعته إلى عملية يمكن تكرارها وتكبيرها في مختلف أنواع الأعمال ، ومن ثمَّ تطوير الشركة وتوسيع نشاطها.
  • النضج: تحتاج الشركة إلى من يجيد العمل ولديه خبرة كبيرة في أعمال ناجحة مشابهة ويؤدي العمل بتفانٍ وإخلاص.
  • الضمور: تحتاج الشركة إلى قيادات واقعية لا تعترف بتاريخ الشركة القديم، ولا تتعلق به عاطفيًا، بل تحاول أن تقدم أكثر ما يمكن إلى ملاك الشركة عن طريق تقليل التكاليف، وبيع الأصول وحتى بيع الشركة كليًا.

بعد معرفتك بكل هذه المراحل والشخصيات تحتاج إلى أن تحدد من أنت؟ وما الجانب أو المرحلة التي تود العمل فيها وستجعلك سعيدًا؟ فلو افترضنا أن دورة حياة الشركة هي من A إلى Z فيمكن القول: إن

  • A إلى D: مرحلة تتطلب مهارات متنوعة والعمل في تخصصات مختلفة.
  • E إلى H: مرحلة تتطلب قدرات على الموازنة بين التأسيس واستشراف المستقبل.
  • I إلى P: مرحلة تتطلب مهارات في الإدارة وتخطيط الأعمال وتطويرها.
  • Q إلى Z: مرحلة تتطلب قدرات لإدارة شركة متجهة نحو الضمور مع الحفاظ على ربحيتها.

لا يمكنك أن تعمل في كل المراحل، وقليل من الناس لديهم القدرة على العمل في مرحلتين على الأكثر؛ لذا يجب عليك أن تحدد مسارك بناءً على هذه المراحل.

أسطورة التوازن بين العمل والحياة

بالتأكيد سمعت عن بعض الأشخاص الناجحين في أعمالهم وفي نفس الوقت يتطوعون في أعمال خيرية ويديرون مشاريع جانبية ويتعلمون رياضات جديدة باستمرار. أنصحك بأن تعتبر نفسك مختلفا عنهم! التوازن بين العمل والحياة خصوصا في بداية حياتك المهنية أسطورة ومن الصعب تحقيقه. التجارب تقول أن مسارك المهني يحدده نموك في أول خمس سنوات منه (ليس عدلا لكن هذا الواقع) وإذا كنت تريد نموًا سريعا فستحتاج لحرق الكثير من الوقود وهذا يعني الكثير من العمل والتجارب. 
شخصيًا أعيش حياة متوازنة، ولكنها نتيجة إدماني على العمل في العشرينيات والثلاثينيات من عمري، فخلال هذه الفترة من عمري لا أذكر أني فعلت أي شيء سوى العمل، وسنة قضيتها في دراسة ماجستير الأعمال. إدماني على العمل في تلك الفترة كلفني شعري، وزواجي، وعشرينياتي، وأعتقد أن الأمر يستحق.

هل أنت رائد أعمال؟

خلال مسيرتك المهنية ستسنح لك فرص يمكنك أن تستغلها إما لتأسيس شركة وإما الانضمام إلى فريق يؤسس شركة ناشئة، وهذا عمومًا شيء جيد لتجديد الاقتصاد وتطويره، وإيجاد وظائف وثروات للناجحين، لكن يجب أن تعرف أن ريادة الأعمال ليست لكل أحد، والقليل جدًا من الأشخاص يملكون الخصال التي تميز رائد الأعمال. في عالم ريادة الأعمال لا يكفي أن تكون “جيدًا” و “ذكيًا”! إذًا كيف تعرف أنك مناسب لريادة الأعمال؟ اسأل نفسك الأسئلة الآتية:

  • هل أنت متصالح مع الفشل أمام الناس؟
    أغلب حالات الفشل في حياتنا تحظى بنوع من الخصوصية، أو على الأقل يمكن تغطيتها ولن يعلم عنها أحد. عند فشل شركتك لن تستطيع إخفاء الأمر والشعور الناتج من الفشل شعور مؤلم جدًا، فهل أنت مستعد؟
  • هل تحب البيع؟
    ريادة الأعمال والبيع كلمتان مترادفتان، والبيع هنا يعني أن تبيع شركتك إلى الموظفين ليعملوا لديك وتبيعها لهم ليبقوا فترة أطول، ثم تبيعها إلى المستثمرين، وأخيرًا تبيعها إلى العملاء. البيع يعني أن تتصل وتتواصل مع أناس لا يرغبون باستقبال مكالماتك، وأن تتظاهر بأنك تحبهم وتتحمل معاملتهم السيئة، ثم تتصل عليهم مرة أخرى في اليوم التالي. شخصيًا أعتقد أني لن أؤسس شركة أخرى؛ لأن كبريائي تضخم ولن يسمح لي بالبيع. قد تظن أنك ستنتج شيئًا مميزًا لدرجة أنه يبيع نفسه، لكن تذكر أن شركة مثل: قوقل أنتجت خوارزمية بحث مميزة جدًا تستطيع الإجابة عن أي شيء والتنبؤ بنيات الناس وما يبحثون عنه، وعلى الرغم من ذلك توظف الآلاف من البائعين. أخيرًا إذا كنت جيدًا في البيع وتحبه، فغالبًا سيكون دخلك أكثر (بالتناسب مع عملك وجديتك) من أي زميل لك.  
  • هل تفتقد مهارات العمل في الشركات الكبرى؟
    النجاح في الشركات الكبرى ليس سهلًا ويتطلب مجموعة من المهارات الفريدة، فيجب أن تكون متعاونًا مع الآخرين، وأن تتعامل مع الظلم والهراء، وأن تكون سياسيًا بارعًا، بالإضافة إلى مهارات لفت نظر القيادات إليك، والحصول على دعمهم. عمومًا إن كنت تستطيع العمل في شركة كبرى فمن الأفضل أن تفعل ذلك.
    شخصيًا أسست شركاتي؛ لأن الشركات التي عملت فيها، والتي كان يمكن أن توظفني نظروا إلي على أني أحمق لا يمكن العمل معه، ريادة الأعمال بالنسبة إلى حالتي كانت مخرجًا وليست خيارًا. 

أجب عن هذه الأسئلة بصراحة، واستعن بمن يعرفك ويعرف شخصيتك ومهاراتك جيدًا ليجيب عنها أيضًا فإن كانت إجاباتك إيجابية لأول سؤالين وليس لديك مهارات العمل في الشركات الكبرى فانطلق إلى عالم ريادة الأعمال.